الإدارة الجبائية بالجماعات الترابية: التنظيم، الإكراهات وآخر المستجدات

Noureddine Ahil
المؤلف Noureddine Ahil
تاريخ النشر
آخر تحديث



الإدارة الجبائية بالجماعات الترابية: التنظيم، الإكراهات وآخر المستجدات


تُعد الإدارة الجبائية ركيزة أساسية في تدبير الشأن المحلي بالمغرب، إذ تمثل المصدر الرئيسي للتمويل الذاتي للجماعات الترابية، مما يمكنها من تنفيذ المشاريع التنموية وتحسين الخدمات العمومية. وقد شهدت هذه الإدارة تحولات مهمة في العقود الأخيرة، خاصة بعد صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهوية المتقدمة، التي كرست مبادئ الحكامة والنجاعة والشفافية.

أولًا: التنظيم الحالي للإدارة الجبائية

يتأسس التنظيم الجبائي للجماعات الترابية على ترسانة قانونية متنوعة تهدف إلى ضبط عمليات التحصيل، تحديد الاختصاصات، وضمان عدالة جبائية بين مختلف الملزمين. وتتكلف بهذه المهام مديريات وأقسام الجبايات داخل الجماعات، بتنسيق مع مصالح وزارة الاقتصاد والمالية، خاصة المديرية العامة للضرائب.

التنظيم الحالي للإدارة الجبائية بالجماعات الترابية

تتولى الجماعات الترابية (الجهات، العمالات/الأقاليم، والجماعات) تدبير جزء من الضرائب والرسوم المحلية. هيكل التنظيم عادةً يعتمد على:

1. مصلحة الجبايات المحلية (داخل الجماعة):هي المصلحة المكلفة بتطبيق ومتابعة تحصيل الضرائب والرسوم المحلية مثل:

الرسم على السكن.
الرسم المهني.
الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية.
رسوم الاستغلال المؤقت للملك الجماعي وغيرها.

هذه المصلحة تقوم بـ:
إعداد أوامر التحصيل.
تسجيل الملزمين الجدد.
تسوية النزاعات البسيطة.
متابعة التصاريح والتصحيحات.

2. الخزينة (الخازن الإقليمي أو الجهوي):

يتولى تحصيل هذه الضرائب فعليًا وتحويلها إلى حسابات الجماعة.
الخزينة تمثل جهة التنفيذ المالي وتراقب حسن سير عمليات التحصيل والصرف.

3. أقسام الدعم والمراقبة:في الجماعات الكبيرة، توجد أقسام أو وحدات مساعدة مكلفة بـ:

تدقيق البيانات.
تتبع الشكايات.
الإحصاء وتحديث قواعد البيانات العقارية والتجارية.

4. التنسيق مع المديرية العامة للضرائب:الجماعات الترابية تعمل بتنسيق مع الإدارة المركزية للضرائب لتبادل المعلومات وتحصيل بعض الرسوم المشتركة.

من بين أبرز الموارد الجبائية المحلية نجد:
الضرائب الجماعية: كالرسم المهني، والرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، والرسم على السكن.
رسوم الاستغلال المؤقت للملك العمومي: والتي تشكل أيضًا مصدرًا مهمًا لمداخيل الجماعات.
رسوم الخدمات الجماعية: التي تفرض مقابل بعض الخدمات المقدمة للمواطنين.

ويتم تدبير هذه الرسوم والضرائب وفق مساطر قانونية دقيقة، بدءًا من عملية الإحصاء والتقييم، مرورًا بالتحصيل الطوعي أو الإجباري، وصولًا إلى المراقبة والمراجعة.

رئيس المجلس الجماعي




مصلحة الجبايات المحلية

إعداد أوامر التحصيل

تسجيل الملزمين الجدد

تسوية النزاعات البسيطة

متابعة التصاريح والتصحيحات



الخزينة (الخازن الإقليمي أو الجهوي)


تحصيل الضرائب فعليًا وتحويلها إلى حسابات الجماعة


أقسام الدعم والمراقبة

تدقيق البيانات

تتبع الشكايات

الإحصاء وتحديث قواعد البيانات العقارية والتجارية


التنسيق مع المديرية العامة للضرائب

تبادل المعلومات وتحصيل بعض الرسوم المشتركة
ثانيًا: الإكراهات والتحديات:

رغم الإصلاحات العديدة، تواجه الإدارة الجبائية بالجماعات الترابية عدة صعوبات وإكراهات تعيق تحقيق النجاعة المالية. من أبرزها:
ضعف الموارد البشرية المؤهلة: حيث لا يزال هناك خصاص كبير في الأطر المتخصصة في المجال الجبائي، مما يؤثر على جودة العمل.

تعقيد المساطر الجبائية: فالعديد من النصوص القانونية ما زالت تعرف بعض الغموض أو التعقيد الذي يُصعّب الفهم لدى المواطنين والملزمين.

ضعف آليات التحصيل: لا سيما فيما يتعلق بالتحصيل الجبري للديون المتراكمة، والتي تُكبّل ميزانيات الجماعات.

غياب قاعدة بيانات محدثة: يُعد غياب معطيات محينة حول العقارات والأنشطة الاقتصادية عائقًا أمام تقييم صحيح للوعاء الضريبي.

ضعف التحسيس والتواصل: فالمواطن غالبًا ما يجهل مآل الأموال التي يؤديها كضرائب ورسوم، مما يقلل من درجة الالتزام الجبائي الطوعي.

ثالثًا: آخر المستجدات والإصلاحات:

صدور القانون رقم 14.25 بتغيير وتتميم القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية

1. الهدف العام:

يهدف القانون إلى تحديث النظام الضريبي المحلي للجماعات الترابية (البلديات، الجهات، العمالات) لتعزيز اللامركزية المالية، وتبسيط المساطر، ومكافحة التهرب، مع التركيز على:
تعديل أسعار الرسوم المحلية (خاصة على الأراضي غير المبنية).
تحسين آليات التحصيل والإدارة الجبائية.
تعزيز الصلاحيات المالية للجماعات الترابية.
2. أبرز التعديلات:

أ. تعديلات على الضرائب والرسوم المحلية

الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية:
تحديد أسعار جديدة حسب مستوى تجهيز المنطقة:
15 –30 درهم/م²: للمناطق المجهزة بالكامل (طرق، كهرباء، ماء، صحة، تعليم).
5 –15 درهم/م²: للمناطق متوسطة التجهيز (تتوفر على الطرق والكهرباء والماء فقط).
0.5 –2 درهم/م²: للمناطق ضعيفة التجهيز (تفتقر لمعظم المرافق).
إجراءات التحديد: يُصدر رئيس المجلس الجماعي القرار، بموافقة العامل (الممثل المحلي للحكومة).
الحد الأدنى للرسم: لا يُستخلص رسم يقل عن 200 درهم.

ب. إعادة تنظيم التحصيل الضريبي:

نقل صلاحيات التحصيل:
تُنقل ملفات تحصيل رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية من الخزينة العامة إلى:
المديرية العامة للضرائب (للرسوم الرئيسية).
القابضين الجماعيين (للباقي).
آجال النقل: شهران من تاريخ نشر القانون.

تمثيل قانوني جديد:

المدير العام للضرائب يحل محل الخازن العام في المنازعات المتعلقة برسم السكن والخدمات الجماعية.
القابض الجماعي يتولى المنازعات الخاصة بتحصيل الرسوم الأخرى.

ج. تعزيز الإدارة الجبائية المحلية

تعريف "الإدارة":
المديرية العامة للضرائب: تختص برسم السكن والخدمات الجماعية.
المصالح الجبائية التابعة للجماعات الترابية: تختص بالرسوم المحلية الأخرى.

آليات الدفع:

يُؤدى الرسم تلقائياً عبر صندوق مداخيل الجماعة أو المحاسب العمومي، باستخدام مطبوع نموذجي.

3. تاريخ التنفيذ:

يُنفذ القانون ابتداءً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (12 يونيو 2025).

4. الخلاصة:

يُعد هذا القانون خطوة مهمة لتعزيز الاستقلال المالي للجماعات الترابية عبر:
تعديل الأسعار لتحقيق عدالة ضريبية.
تحسين التحصيل عبر الرقمنة وتوزيع الصلاحيات.
تعزيز المراقبة على الأراضي غير المبنية.

للتفاصيل الكاملة: يُرجى مراجعة النص المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7412 بتاريخ 12 يونيو 2025.

انطلقت خلال السنوات الأخيرة عدة إصلاحات تهدف إلى عصرنة الإدارة الجبائية المحلية، ونذكر منها:

الرقمنة والتحول الرقمي: حيث تم إدخال أنظمة معلوماتية لتدبير عمليات الإحصاء والتحصيل والمراقبة، مما ساهم في تقليص هامش الأخطاء وتحسين المردودية.

تعزيز الشفافية: من خلال إلزام الجماعات بنشر معطياتها المالية بشكل دوري، حتى يتمكن المواطنون من الاطلاع على كيفية تدبير المال العام.

مراجعة الإطار القانوني: إذ تعرف بعض الرسوم والضرائب إعادة تقييم لمسايرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية.

التكوين المستمر للأطر: بهدف الرفع من كفاءاتهم التقنية والقانونية.

إبرام شراكات مع القطاع الخاص: خصوصًا في مجال الجبايات المرتبطة بالإعلانات الطرقية أو الأسواق الأسبوعية.

رابعًا: الرهانات المستقبلية:

يتطلب تعزيز فعالية الإدارة الجبائية بالجماعات الترابية جملة من الإجراءات الاستراتيجية، أبرزها:
تطوير نظام معلوماتي شامل يربط بين مختلف المصالح.
تبسيط المساطر الجبائية وتقريبها من المواطن.
تعزيز المقاربة التشاركية في إعداد الميزانيات وتحديد الرسوم.
إرساء ثقافة جبائية لدى المواطنين عبر حملات توعوية مكثفة.
العمل على محاربة التملص الجبائي الذي يضر بمبدأ العدالة الجبائية.

خاتمة:

لا شك أن الإدارة الجبائية بالجماعات الترابية تلعب دورًا محوريًا في التنمية المحلية، باعتبارها المصدر الأساسي لتمويل البرامج والمشاريع التي تُحسن مستوى عيش المواطنين. ورغم التحديات المطروحة، فإن مسار الإصلاح مستمر من أجل إدارة جبائية أكثر نجاعة وشفافية وعدالة.



تعليقات

عدد التعليقات : 0