الموظف الجماعي وواقع الإدارة الترابية: أهم معضلات التنمية

Noureddine Ahil
المؤلف Noureddine Ahil
تاريخ النشر
آخر تحديث





الموظف الجماعي وواقع الإدارة الترابية: أهم معضلات التنمية

 


مقدمة
تعد الإدارة الترابية بالمغرب الإطار المؤسسي الذي يتم من خلاله تنزيل السياسات العمومية على المستوى المحلي، وتنفيذ المشاريع التنموية التي تستجيب لحاجيات المواطنين. وفي قلب هذه الإدارة يقف الموظف الجماعي باعتباره العنصر البشري الفاعل الذي يربط بين القرارات المتخذة في المجالس المنتخبة، والتطبيق العملي لها على أرض الواقع.
ورغم الإصلاحات التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة، خاصة بعد اعتماد دستور 2011 وإصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، فإن واقع الإدارة الترابية ما زال يواجه تحديات ومعضلات تحول دون تحقيق التنمية المحلية المنشودة.
أولاً: دور الموظف الجماعي في التنمية المحلية
1. حلقة وصل بين المواطن والإدارة
الموظف الجماعي هو الواجهة المباشرة للمواطنين في تعاملهم مع الإدارة، حيث يستقبل الطلبات، يسلم الوثائق، ويوجه المرتفقين، مما يجعل أدائه مهماً في تكوين صورة إيجابية أو سلبية عن الجماعة.
2. تنفيذ القرارات والسياسات
القرارات التي يتخذها المجلس الجماعي تحتاج إلى من يترجمها على أرض الواقع، وهنا يبرز دور الموظف في الإعداد التقني للملفات، صياغة المحاضر، متابعة المشاريع، وتطبيق القوانين.
3. المساهمة في التخطيط والبرمجة
من خلال خبرته الميدانية، يساهم الموظف في تقديم مقترحات وحلول عملية عند إعداد البرامج التنموية، خاصة في مجالات التعمير، البنية التحتية، والخدمات الاجتماعية.
4. التحول الرقمي
مع دخول الرقمنة كأحد أهداف الإصلاح الإداري، أصبح الموظف الجماعي مطالباً بإتقان أدوات التكنولوجيا لتبسيط المساطر وتحسين جودة الخدمات.
ثانياً: واقع الإدارة الترابية بالمغرب
رغم الجهود المبذولة، يظل واقع الإدارة الترابية متأثراً بعدة عوامل، منها الإيجابي ومنها السلبي.
1. الإيجابيات
الإطار القانوني المتطور: صدور القوانين التنظيمية (113.14، 112.14، 111.14) منح الجماعات الترابية صلاحيات أوسع.
وجود كفاءات بشرية: العديد من الموظفين ذوي خبرة طويلة، خاصة في الجماعات الكبرى.
الرقمنة التدريجية: إطلاق منصات رقمية مثل "بوابة الشكايات" و"الشباك الوحيد للتعمير".
2. التحديات
البيروقراطية: استمرار المساطر المعقدة وطول مدة معالجة الملفات.
ضعف الموارد البشرية: قلة الأطر المؤهلة خاصة في التخصصات التقنية والمعلوماتية.
غياب التحفيز: تدني الأجور مقارنة بحجم العمل، وغياب مسارات واضحة للترقية.
تفاوت التنمية: فجوة كبيرة بين الجماعات الحضرية المجهزة والجماعات القروية محدودة الإمكانيات.
ثالثاً: أهم معضلات التنمية في الإدارة الترابية
رغم أن التنمية المحلية هدف استراتيجي للدولة، إلا أن هناك معضلات تعيق تحقيقها، يمكن تصنيفها إلى ما يلي:
1. معضلات مرتبطة بالموارد البشرية
نقص الكفاءات: العديد من الجماعات، خاصة القروية، تفتقر لمهندسين وتقنيين متخصصين.
ضعف التكوين المستمر: غياب برامج تدريبية منتظمة تؤهل الموظفين لمواكبة المستجدات القانونية والتقنية.
التحفيز المحدود: قلة الحوافز المادية والمعنوية تؤدي إلى تدني الحماس المهني.
2. معضلات مرتبطة بالموارد المالية
ضعف الميزانيات: الاعتماد الكبير على التحويلات من الدولة بدل تنمية الموارد الذاتية.
سوء تدبير النفقات: غياب برمجة دقيقة للمشاريع يؤدي إلى تبديد الموارد أو تأخر إنجازها.
3. معضلات مرتبطة بالحكامة
  • تداخل الصلاحيات بين المنتخبين والموظفين، مما يخلق صراعات داخلية تؤثر على الأداء.
  • غياب مؤشرات لقياس الأداء تجعل من الصعب تقييم فعالية السياسات المحلية.
  • ضعف الشفافية والمساءلة في بعض الملفات، ما قد يفتح المجال للاختلالات.
4. معضلات مرتبطة بالبنية التحتية الإدارية
مقرات غير ملائمة: في جماعات كثيرة، البنية التحتية الإدارية لا توفر ظروف عمل جيدة.
ضعف التجهيزات: نقص في الحواسيب، معدات الربط بالأنترنت، والأرشفة الرقمية.
رابعاً: أثر هذه المعضلات على التنمية المحلية
هذه التحديات مجتمعة تفرمل وتيرة التنمية، وتؤدي إلى:
  • بطء إنجاز المشاريع أو توقفها.
  • فقدان ثقة المواطن في الإدارة المحلية.
  • استمرار الفوارق بين المجالات الحضرية والقروية.
  • إضعاف جاذبية الجماعات للاستثمار والمبادرات الاقتصادية.
خامسا: الثقافة التقليدية لدى الموظف الجماعي.
المفهوم: الثقافة التقليدية هنا تعني مجموعة القيم والعادات وأساليب العمل الموروثة، والتي كثيرًا ما تعتمد على العلاقات الشخصية، الهرمية الصارمة، ونُظم العمل الورقية.
المميزات:
  • قوة الروابط الإنسانية بين الموظفين.
  • الالتزام بالتراتبية واحترام السلطة.
  • الاعتماد على التجربة الشخصية أكثر من القوانين المكتوبة.
السلبيات:
  • البطء في معالجة الملفات.
  • ضعف الشفافية وغياب ثقافة المحاسبة أحيانًا.
  • مقاومة التغيير والابتكار.
  • التحديات التي يواجهها الموظف الجماعي
  • صعوبة التكيّف مع الأنظمة الرقمية الحديثة.
  • نقص التكوين المستمر والمواكبة المهنية.
  • ازدواجية المعايير بين ما هو مكتوب في النصوص القانونية وما هو معمول به فعليًا.
  • ضغط العمل وتزايد مطالب المواطنين.
سبل التوفيق بين الثقافة التقليدية والتنظيم الحديث:
  • الاستثمار في التكوين والتأهيل المستمر.
  • تشجيع الموظفين على تبني عقلية الابتكار وحل المشكلات.
  • دمج القيم الإيجابية من الثقافة التقليدية (مثل التضامن وروح الفريق) في الإطار العصري.
  • تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليص البيروقراطية.
  • وضع آليات تحفيزية للموظفين المنخرطين في التغيير.
سادسا:التوفيق بين إرضاء المنتخبين وتطبيق القانون:
 يعتبر من أكبر التحديات التي يواجهها الموظف الجماعي داخل الإدارة الترابية، لأنه يعمل في وسط حساس يجمع بين السلطة السياسية الممثلة في المجلس المنتخب، والسلطة الإدارية الممثلة في القوانين والأنظمة التي تؤطر العمل الجماعي.
1. طبيعة الإشكال
  • الموظف الجماعي ملزم قانونًا باحترام النصوص التشريعية والتنظيمية (القوانين التنظيمية، المراسيم، الدوريات...).
  • المنتخب المحلي يسعى لتحقيق وعوده الانتخابية وإرضاء الساكنة، أحيانًا عبر حلول أو قرارات قد تتعارض مع القانون أو المساطر.
  • الموظف يجد نفسه أحيانًا بين مطرقة القانون وسندان الضغط السياسي.
2. أمثلة واقعية للتوتر
  • طلب تسريع أو تجاوز مسطرة قانونية لإرضاء مواطن أو فئة معينة.
  • منح تراخيص أو تسهيلات دون استكمال جميع الشروط.
  • الضغط على الموظف لإعطاء الأولوية لمشاريع تخدم أجندة انتخابية، حتى إن لم تكن ذات أولوية في برنامج العمل الجماعي.
3. استراتيجيات التوفيق
الالتزام بالنصوص القانونية: مع تقديم بدائل عملية للمنتخبين تفي بالغرض دون خرق القانون.
التواصل الفعال: شرح المساطر للمنتخبين بلغة مبسطة مع توضيح العواقب القانونية لأي تجاوز.
التوثيق: حفظ كل التعليمات أو المراسلات كتابيًا لحماية الموظف من أي مساءلة مستقبلية.
المهنية والحياد: التعامل مع جميع المنتخبين والمواطنين دون انحياز سياسي أو شخصي.
التكوين المستمر: تمكين الموظف من معرفة أحدث النصوص القانونية حتى يملك الحجج اللازمة للإقناع.
سابعا: مقترحات لتجاوز المعضلات
لمواجهة هذه الإكراهات، يمكن تبني حزمة من الحلول:
  • تأهيل الموارد البشرية عبر التوظيف في التخصصات المطلوبة وتفعيل برامج التكوين المستمر.
  • تحفيز الموظفين مادياً ومعنوياً، وربط الترقي بالأداء الفعلي.
  • اعتماد الحكامة الجيدة من خلال الشفافية، المحاسبة، ومؤشرات تقييم الأداء.
  • رقمنة شاملة لكل الخدمات الإدارية وربط الجماعات بشبكات رقمية موحدة.
  • تعبئة الموارد المالية عبر تنويع المداخيل المحلية وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص.
  • تحديث البنية التحتية الإدارية لضمان بيئة عمل مناسبة وتحسين استقبال المواطنين.
خاتمة
إن الموظف الجماعي يظل حجر الزاوية في عمل الإدارة الترابية، وأداؤه المباشر يؤثر على جودة الخدمات العمومية وعلى نجاح أو فشل المشاريع التنموية. لكن هذا الدور المحوري لا يمكن أن يؤتي أكله إلا إذا تم تهيئة بيئة عمل داعمة، توفر الموارد البشرية المؤهلة، التجهيزات الملائمة، والموارد المالية الكافية، ضمن إطار من الحكامة الجيدة والرقمنة الشاملة.
فالتنمية المحلية ليست مجرد مشاريع على الورق، بل هي سيرورة عملية تبدأ من الموظف الذي يستقبل المواطن، وتمر عبر الإدارة الترابية التي تضع البرامج، وتنتهي عند المواطن الذي يلمس نتائج هذه الجهود في حياته اليومية.

تعليقات

عدد التعليقات : 0